Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
في سبيل العروبة الحضارية - Sur le chemin de l'arabité civilisationnelle
18 juillet 2022

كسرُ حلقةِ التكيّفِ مع التطبيعِ مهمّةً راهنةً لحركةِ التحرّرِ العربيّة د . عابد الزريعي (رئيس مركز دراسات ارض فلسطين)

د

يحفلُ تاريخُ الصّراعِ معَ العدوِّ الإمبرياليِّ والصهيونيِّ بعديدِ الأحداثِ والوقائعِ التي تنضوي على عبرٍ ودروسٍ يمكنُ الاستفادةُ منها في مواجهةِ عديدِ القضايا التي يفرزُها ذلك الصّراعُ بشكلٍ يوميٍّ ومتكرّرٍ في كثيرٍ من الأحيان.  ومن بين تلك الوقائع اثنتان ما زالتا حاضرتين على سطحِ الذاكرة، ولم تنزلقا بعدُ إلى عمقِها حتّى يصعبَ الاستدلالُ عليهما واستحضارهما.

الواقعةُ الأولى تعودُ إلى قرارِ الرئيسِ الأمريكيّ السابق ترامب، بالاعترافِ ب القدس ِ عاصمةً "لإسرائيل". والثانيةُ تعودُ إلى الأجواءِ التي سادت بعد توقيعِ اتّفاقيّات أبراهام التطبيعيّة. تتبدّى الواقعةُ الأولى في تقديرِ أوساطِ القرارِ الأمريكيّ لحدودِ ردودِ الفعلِ العربيّةِ على قرارٍ بهذا الحجم، حيثُ وضعت في الحسبان أنّ ردودَ الفعلِ في الشارعِ العربيّ لن تتجاوزَ الشهرَ ثمَّ تنتهي، ومن ثَمَّ لا بدَّ من أخذِ الحذرِ خلالَ هذهِ المدّة. وقد ثبتَ أنّ التقديرَ كان قد بُنيَ على المدى الأقصى؛ لأنَّ ردودَ الفعلِ لم تصل إلى حدود الأسبوعين. وتتبدّى الواقعةُ الثانيةُ في مسارعةِ وزارةِ الشؤونِ الاستراتيجيّةِ الإسرائيليّةِ (حلّت لاحقًا) بدراسةِ ردودِ الأفعالِ على تلك الاتّفاقيّاتِ من خلالِ قراءة وتحليل نحو 100 مليون تعليقٍ على صفحاتِ التواصلِ الاجتماعيّ خلال الفترة من 12 أغسطس إلى 5 سبتمبر 2020، وكانت النتيجةُ أنّ هناك 90 بالمائة يرفضون الاتفاقيّةَ والتطبيعَ بتفاصيلَ متعدّدة، بما ترتّب على ذلك من تقديمِ مقترحاتٍ وتوصياتٍ إلى صنّاع القرار، ثُمّ أجريت دراسةٌ ثانيةٌ في فبراير 2021 انتهت إلى أنّ المواقفَ السلبيّةَ من التطبيعِ قد انخفضت بنسبة 20 بالمائة. وقد ترتّب على ذلك أيضًا تقديمُ توصياتٍ جديدةٍ لصانعي القرار ليعملوا على هديها من أجل تعميم التطبيع على الساحة العربيّة. نستنتجُ من هاتين الواقعتين أنّ العدوَّ في إدارتِهِ للصّراعِ يعملُ على دفعِ الخصمِ إلى تقليصِ الحدِّ الزمنيّ لردّ الفعل المعاكس والرافض لقرارٍ أو موقفٍ أو ممارسةٍ سياسيّةٍ من قبله إلى أن يصل به إلى التكيّف النفسيّ السياسيّ معه. وتأخذُ عمليّةُ التكيّفِ في هذهِ الحاليّةِ طابعَ الانتقالِ من التعبيرِ المعلنِ عن الرفضِ بما ينضوي عليهِ من دلالاتِ اشتباكٍ عامّةٍ ومفتوحة، إلى نوعٍ من التململ الذاتيّ المفرغ من أي صيغةٍ عمليّةٍ وعامّة، وسطَ أجواءٍ من الانطوائيّةِ والانعزاليّةِ واللامبالاةِ السياسيّة، ليشكّلَ ذلك إشارةً للقوى صاحبةِ الموقفِ المرفوضِ بأنّ الساحةً باتت فارغةً والطريقُ أمامها بات مؤمنًا، لتنتقلَ من موقعِ الدفاع عمّا قامت به إلى موقع المراكمة عليه من خلالِ القيامِ بأفعالٍ جديدة. وفي هذا السياق تشكّلُ حالةَ التكيّفِ السياسيّ مع التطبيعِ من عدمِهِ أحد تجليّات الصّراع التي تسعى قوى التطبيع إلى فرضها وتعميمها، وذلك باللجوءِ إلى تكتيكِ الضرباتِ المتلاحقةِ التي ترهقُ القدرةَ على ردّةِ الفعل. وتحوّل حدثُ التطبيعِ إلى أمرٍ معتادٍ ومألوفٍ على مستوى الرؤيةِ البصريّةِ لشخوصِهِ أثناءَ اللقاءاتِ والتفاعلاتِ الجاريةِ بينها، والتلقّي الذهنيّ المتكرّر لمضامينه، بما يقود إلى شلّ ردةِ الفعلِ عليه نتيجةَ التعوّد على الحدث. وبالنتيجةِ فإنّ الدخولَ في حالة التكيّف، وهو دخولٌ لا واعٍ في أغلب الأحيان، يعني الانكفاء أمامَ قوى التطبيعِ وإخلاء الساحة أمامها.  كلُّ الوقائعِ الماثلةِ أمامنا تشيرُ إلى أنّ قوى التطبيعِ ومن معها وخلفها قد بنت سياسةَ فعلِها على هذا الأساس، خاصّةً بعد الدخول في مرحلةِ اتّفاقات أبراهام، بل يمكنُ القولُ: إنّها مضت على أساس بناء مشهد التوقيع بكلّ ما أحاط به من ضجيجٍ إعلاميٍّ وترويج، ليسَ بهدفِ الإعلان فقط، وإنّما لامتصاصِ ردودِ الفعلِ خلالَ مدى زمنيٍّ محدّد، ليبدأَ بعد ذلك تكريسُ وقائعِ التطبيعِ الفعليّة. فمن الملاحظِ أنّ الاتفاقيّاتِ الجزئيّةَ الموقّعةَ التي شملت في توقيتاتٍ زمنيّةٍ مختلفةٍ القضايا كافّةً ذات الطابع الاستراتيجيّ للتطبيع، تنضوي على ما هو أكبرُ وأخطرُ من مشهدِ التوقيعِ بكثير، لكنْ ردودُ الفعلِ المسجّلة عليها جاءت أصغرَ بكثيرٍ من ردودِ الفعلِ على مشهد التوقيع. ذلك يعني أنّ مشهدَ التوقيع يندرجُ في سياقِ الصدمة، بينما الاتفاقيّات الجزئيّة تندرجُ في سياق التكيّف من قبل القوى الرافضة للتطبيع في حدّ ذاته، هذا ويتبدّى التكيّف مع التطبيع في الساحة العربيّة بمستويين:

أوّلًا: المستوى الرسميّ، ولأسبابٍ عديدةٍ أصبحَ متكيّفًا وقابلًا باتّفاقات أبراهام، تحت شعار سيادة الدول الموقّعة، تلك السيادة التي صارت بمثابة الدرع الواقي من أي انتقادٍ أو اعتراض، وهو ما تمَّ تكريسُهُ رسميًّا من خلال بيانِ مجلس وزراء خارجيّة جامعة الدول العربيّة بعد توقيع تلك الاتفاقيّات، ولأنّ الأمرَ كذلك فقد بات الباب مشرعًا لأيّةِ دولةٍ تريدُ أن تمضي في الاتجاه ذاته، بعد أن ضمنت عدمَ وجودِ أيّ اعتراضٍ رسميٍّ عربيٍّ على موقفها، كونَ الأمر يتعلّقُ بسيادتها الوطنيّة. كما بات الباب مقفلًا أمامَ تشكيل أية تحالفاتٍ رسميّةٍ بين دولتين أو أكثر لمواجهة هذا المسار، وأصبح الموقفُ الرافضُ لهذه الدولة أو تلك يندرجُ في سياق المفكّر فيه، وليس المعلن عنه والممارس في مواجهة أية دولةٍ أخرى، ويتّضحُ الأمرُ أكثرَ إذا تمَّ مقارنته بالتحالفات التي شكّلت ردًّا على زيارة السادات للقدس، مثل جبهة الصمود والتصدّي في ذلك الحين.

ثانيًا: على المستوى الشعبيّ، تبدّت حالةُ التكيّف مع التطبيع، فيما نشهدُهُ من تقلّصٍ كبيرٍ في الموقفِ الممارسِ ضدّ التطبيع، للغالبيّة العظمى من فصائلِ حركةِ التحرّر العربيّة بمختلِفِ تلاوينها السياسيّة، سواءً القُطريّة منها أو القوميّة، وهي مسألةٌ ليس لها علاقةٌ بالموقف من التطبيع في حدّ ذاته، إنّما بالعملِ في مواجهتِهِ بهدفِ إسقاطِهِ أو على الأقلِّ منعه من التقدّم والتوسّع، وهو عملٌ يفرضُ كلَّ أشكالِ النضال الجماهيريّ المباشر وغير المباشر، لكي تبقّي مقاومة التطبيع عنوانًا مشرعًا ومطروحًا بالمعنى العملّي، المستمرّ والمتراكم، بعيدًا عن الأفعال المتقطّعة والمتباعدة، وغير الخاضعة لاستراتيجيّةٍ واضحةِ المعالم والاتّجاه. ووصل الأمرُ إلى أنّ عديدَ البيانات الصادرة أو الدعوات لإيجاد تشكيلات ما، يمكنُ إدراجُها في سجلِ رفعِ العتبِ أكثر من كونها دعواتٍ للممارسةِ العمليّةِ والإنجاز، بدليل أنّ لا أحد يواصل الطريق لتحويل ما سبق ودعي إليه إلى حقيقةٍ واقعة.

وتتلخّصُ الأسبابُ التي تقفُ خلفَ عمليّةِ التكيّف مع التطبيع، في سطحيّةِ الوعي بالخطر الذي يشكّلُهُ الكيانُ الصهيونيُّ على المستوى العربيّ لدى عديدِ القوى. فإذا كان الوعيُ الشاملُ بخطورةِ الكيان يقودُ إلى تنزيلِ عمليّةِ مواجهته، وبالنتيجة مواجهة قوى التطبيع، في خانةِ المهام الوطنيّةِ المباشرةِ بالنسبة لكلِّ فصيلٍ من فصائلِ حركةِ التحرّرِ العربيّة، فإنَّ الوعي الجزئيّ بتلك الخطورة يقودُ بالضرورةِ إلى تنزيلِ عمليّةِ المواجهةِ في خانةِ دعمِ الشعبِ الفلسطينيّ والتضامنِ معَه، أكثرَ من كونه يقومُ بمهمّةِ دفاعٍ مباشرةٍ عن الذات. يترتّبُ على ذلك عدم الربط الواعي والعميق بين المشاكل والقضايا الاقتصاديّة والسياسيّة الداخليّة في هذا البلد أو ذاك، ووجود الكيان الصهيونيّ في قلب المنطقة. وإذا كان ذلك يقودُ على مستوى الممارسة السياسيّة العمليّة إلى المبالغة في ضرورةِ معالجة القضايا المحليّة بوصفها أولوياتٍ قصوى، فإنّه يقودُ أيضًا إلى تضليل قطاعاتٍ جماهيريّةٍ واسعةٍ والعبث بوعيها حولَ حقيقةِ العدوّ الصهيونيّ، وبالنتيجةِ مواجهةِ التطبيعِ والمطبّعين. وفي هذا السياق، باتت تبرزُ بعض الأطروحات التي تعبثُ بالتناقضِ مع العدوّ الصهيونيّ بوصفِهِ تناقضًا رئيسًا، من خلال ترويج فكرة الاستعداد للعمل والتحالف مع قوى التطبيع الرسميّة على المستوى العربيّ، بحجّة أنّها تقفُ ضدّ قوى الإسلام السياسيّ.

لقد بات التكيّفُ النفسيُّ السياسيُّ مع التطبيع تحدّيًا ماثلًا وشاخصًا، تتبدّى ملامحُهُ في ردودِ الفعلِ الشاحبةِ على كلِّ حدثِ تطبيع، وفي ترك بعض القوى التي تقاومُ في البلدان التي وصل إليها العدوُّ لتلقطَ شوكها بيديها، وفي تراجعِ عمليّةِ التعبئةِ والتحريضِ ضدّ التطبيع، وفي إطفاء أضواء قاعات الندوات والمحاضرات والمؤتمرات، وفي إخلاء ساحات النضال الجماهيريّ، وفي كثيرٍ من الأحيان المرور من جانبِهِ دون أن يثيرَ الانتباه. ولذلك، فإنَّ كسرَ حلقةِ التكيّف تستدعي بالضرورةِ العودة الواعية إلى الميدان بشكلٍ فاعلٍ ومنظّمٍ يقطعُ مع عشوائيّةِ الفعل وموسميّته، وتنسيق عمليّات المواجهة بين القوى التي تقعُ في بؤرةِ الحدثِ التطبيعيّ أي في البلدان التي قطعت شوطًا على هذا المستوى، وبين القوى الأخرى والموجودة في بلدان أخرى، وهذا بدورِهِ يستدعي ترتيباتٍ لا بدَّ من القيامِ بها والإقدام عليها بجرأة، وذلك على قاعدةِ الوعي العميقِ بأنَّ العدوَّ كالمرض إذا تمكّن من التقدّم إلى موقعٍ والتمركز فيه، فإنّه سيسقطُ الموقع المجاور إذا لم يتمَّ صدّه ومحاصرته منذ البداية.

 

نشر هذا المقال في العدد 39 من مجلة الهدف الإلكترونية


Publicité
Publicité
Commentaires
Présentation
Ce site, animé par le Collectif Algérie-Machreq, est consacré à la mémoire historique de la Nation arabo-musulmane, à l'intellectualité, la spiritualité, la culture, l'expérience révolutionnaire des peuples arabes. La Palestine sera à l'honneur. 


Publicité
Newsletter
Visiteurs
Depuis la création 443 262
Publicité