Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
في سبيل العروبة الحضارية - Sur le chemin de l'arabité civilisationnelle
22 novembre 2022

البعث العربي الإشتراكي ثورة ثقافية, الرفيق الدكتور إلياس فرح

alyas_farah2

 

الثورة الثقافية مصطلح جديد كالتسيير الذاتي  أصبحت له جاذبية ولقي رواجا  في لغة الثورات والتجارب الحديثة وأصبح من مفاتيح الفكر المعاصر وهو يذكرنا بأهمية الكلمة ودورها في التاريخ  : الحرية ؛ السيادة ؛ العدالة ؛ المساواة ؛ المحبة ؛ الإشتراكية ؛ الديمقراطية ؛ التوحيد ؛ الرسالة ... كلمات كان وما يزال لها سلطان لأنها عبرت عن جوهر الإنسان وكانت رمزا لمراحل إجتماعية  جديدة نضجت ظروفها وعواملها وفكرتها فجاءت العبارة أشبه بالشرارة وأرتفعت الكلمة الى مستوى الآية .

إن قوة الكلمة هي التي أوحت لشاعر المقاومة الفرنسي ( بول إيلوار) PAUL ELUARD قوله : وبقوة كلمة أتابع حياتي من جديد تلك الحياة التي كاد يقطعها اليأس .

والثورة الثقافية في ظل السياق الراهن لتطور الثورات في العالم تأخذ معنى حماية الثورة قبل أن تأخذ معنى تجديد الحياة الثورية ومعنى دخول الفكر الثوري والعمل الثوري مرحلة جديدة متقدمة متكافئة مع التقدم العلمي  والخبرة المتراكمة للممارسة الثورية  فهي بالدرجة الأولى  تكافؤ مع الأخطار المصيرية التي تتعرض لها الثورات الحديثة .

ولئن كان إصطلاح الثورة الثقافية حديثا ومقترنا  في الأذهان بأحداث الصين أعوام 1966-1969 فإن المعاني التي يدل عليها قديمة وجذورها التاريخية تصعد الى نشأة الحضارات والديانات وغيرها من القفزات الكبرى في الوعي وفي التطور التي شهدها التاريخ البشري .

فعندما يشير المفكر روجي غارودي  في كتابه ( في سبيل الحوار بين الحضارات) الى كلمة – بول فاليري – عن أوروبا بأنها  القارة التي صهرت من معادن ثلاثة : التقليد اليوناني في مجال الفكر  والفنون والحقوق الرومانية ثم القيم المسيحية الخلقية ؛ يتساءل غارودي بحق  : ولكن هل يمكن أن نقطع هذه التيارات عن ينابيعها ؟؟ ثم يتابع قائلا : إن الغرب قد ولد في آسيا وإفريقيا وبوجه خاص من حضارتي بلاد ما بين النهرين ووادي النيل وإن ما يدعيه الغرب لنفسه من فكر ومن حالة ذهنية تميزت بإتجاهها نحو السيطرة على الطبيعة ونحو إسباغ الطابع العقلاني على الحياة ليس في رأي غارودي سوى إمتداد لتلك النظرة الى العالم التي  أنضجتها الحضارة الأولى للبشرية على حوض دجلة والفرات .

فقبل الإلياذة  إلياذة هوميروس اليونانية بألف وخمسمائة سنة وقبل أن يكتب الشاعر الألماني  - غوته – راءعته (فاوست ) بنيف وخمسة آلاف وثمانمائة سنة تزيح ملحمة كلكامش الستار عن أول أثر فكري تاريخي ينطوي على مفهوم الإنسان الذي يتحدى الموت ويسيطر على الطبيعة ويحارب أنداده ويذود عن حياضه ويتوقد بتعطش نهم الى المعرفة . فعندما يسأل الإ له – شمس – كلكامش  : لماذا تحاول المستحيل ؟؟؟ يجيبه قائلا : (( إذا كان المجهول ينبغي  أن لا يرتاد فلماذا أيقضت في قلبي الرغبة القلقة التواقة إليه ؟؟؟..

ثم إن كلكامش يضيق ذرعا بالأفق الضيق للمدينة فيتطلع خلف أسوارها ولكن عينه تصطدم بجدار آخر يرسمه الأفق ؛ إنه يفتش عن معنى  لحياته خارج جدران المدينة التي يتعلم فيها الإنسان كيف يعيش ولكنه لا يتعلم معنى الحياة فيموت كمدا منقبض القلب ؛ فالحضارات البشرية والديانات الإنسانية كانت وثبات رائعة في مسيرة التطور البشري .

لذلك فإن الثورة الثقافية بمفهومها العام تعني إنضاج النظرات والمواقف التي تصعد بالإنسان وثورته وبالمجتمعات وتحولاتها نحو آفاق حضارية وإنسانية أكثر تقدما  وبهذا المعنى  فإن في تاريخنا القديم والموغل في القدم  ثورات ثقافية خلقت من أمتنا العربية شخصية حضارية متجددة منفتحة على العالم ومشاركة في مسيرته التقدمية جنبا الى جنب مع الحضارات والثورات الثقافية التي تعاقبت في التاريخ .

وعلى هذا الأساس فنحن مدعوون في البدء الى التمييز بين الثورة الثقافية كظاهرة تاريخية نضالية وبين  نظريات الثورة الثقافية التي تمهد عادة للتحولات الكبرى  الحاسمة في المجتمع . فتاريخ البشرية يؤكد حقيقة أساسية وهي أن الثورة ليست صدفة وليست مجرد حادثة وليست حالة إستثنائية بل هي المسيرة الموضوعية الطبيعية للتاريخ القائم على الصراع وإن الثورات الثقافية إنما هي بمثابة تجديد وتعميق وتطوير لتلك المسيرة وأنها مع  تطور دور الثقافة والمعرفة وتطبيقاتها ومع تصاعد جدل الثورة والثورة المضادة في العالم المعاصر أصيحت الشرط الملازم للثورات وللثقافات .

معنى الثورة الثقافية :

إن تعريف – ألبارتو مورافيا – للثورة الثقافية بأنها  تعني ما يدل عليه مبناها اللفظي من أنها ثورة لم تندلع بدايتها على المستوى الإجتماعي وإنما إندلعت على صعيد البناء الفوقي . إنما يلخص ثورة – ماو – الثقافية التي أخذت بالدرجة الأولى معنى التعبير عن شخصية ماو تسي تونغ  ومكاوناته الثقافية التي كشفت الدراسات التي قامت بتحليل مؤلفاته المختارة ومنابع ثقافته ونوعية المراجع والنصوص التي يعتمد عليها عن النسب التالية : (1)

24 % ستالين ؛ 22% الكونفوشيوسية ؛ 18% لينين ؛ 13% أدب وقصص فلكلورية ؛ 12 % نصوص من الفلسفة الطاوية ؛ 07% كتاب صينيون وأجانب ؛ 4% ماركس وإنجلز .

فإذا كانت هذه المكونات الثقافية المتعددة المصادر التي تكمن وراء الحركة الجدلية لفكر ماو تسي تونغ  هي التي جعلت من الثورة الثقافية وسيلة لطبع الثورة الصينية بطابع هذا الفكر (2) فإن تجاوز لمنظور الجزئي للتجربة الصينية والتسلح بنظرة علمية ثورية الى العلاقة بين البنى الفوقية والبنى القاعدية يسمح لنا بأن نتبين ما هو جوهري وما هو شمولي في كل ثورة ثقافية وهو كونها تفتح التجارب الثورية على حركة جدلية دائمة بتصديها المبكر والشجاع للظواهر المرضية التي تعيق إنطلاقها وتشوه مسيرتها .

فالثورة الثقافية إذن عودة الى المبررات الأساسية للثورة ونفض للغبار عن فكرها وممارساتها وتعزيز لدور الفكر والثقافة في الثورة ؛ إنها ثورة في الوعي والضمير والحياة على كل ما لحق  بالوعي الثوري وبالضمير الثوري وبالحياة الثورية من شوائب وزيف وعلل يمكن أن تستغل كمطية للثورة المضادة .

وهكذا فإن مفهوم الثورة الثقافية ينطوي على مفهوم العودة الدورية الى أصالة المنشأ وحرارة البداية والى العفوية والى تحرر رادة الثورة من العادات والنمطية الآلية وتجعل حياتها شفافة نظيفة والى الجماهير للتزود منها بدماء جديدة وعطاءات نضالية ودفعها نحو مشاركة أوسع وأقوى في حماية الثورة ودعمها وقيادتها .

وعلى ضوء ذلك يتبين أن مفهوم الثورة الثقافية ينطوي على معان جديدة للثقافة وللثورة وللعلاقة بينهما ؛ فالثقافة والثورة يندمجان في بوتقة إنصهار واحدة فلا تعود الثقافة مجرد  بنية فوقية بل تغدو الأرض والأصل والأساس لكل وجود فوقي  سياسي وإيديولوجي  ولكل وجود  قاعدي إقتصادي وإجتماعي لأنها تصبح عملية ولادة جديدة وسلاحا قوميا وطبقيا وحضاريا في يد إنسان وطلائع وأجيال ثائرة ؛ فالثورة الثقافية تهدف الى أن تجعل من الثقافة أداة إنبعاث للثورة تربطها بالحركة الجدلية لنضال الأمة وتطور المجتمع كما أنها تجعل من الثورة طاقة متدفقة تهدم أخطاءها بنفسها وتنطلق مزودة بطاقات متفجرة جديدة تربط الثقافة بالحركة المبدعة للثورة .

نظرية الثورة الثقافية :

أما نظريات الثورة الثقافية فقد أخذت لدى  كارل ماركس معنى التنبه للمعيقات التي تعترض مسيرة الثورة وللعناصر التي تريد إيقاف الثورة وجعلها تراوح مكانها والعمل على دفع الثورة حتى النهاية والإعتماد على القوى الثورية التي تتمسك بإيديولوجية الطبقة العاملة وتعمل على تحقيق رسالتها .

في حين أخذ مفهوم الثورة الثقافية لدي لينين معنى الثورة اللامنقطعة التي تعبر عن قانون تاريخي موضوعي هو قانون تحول الثورة الديمقراطية الى ثورة إشتراكية .

أما لدى تروتسكي مبتكر الصيغة النظرية للثورة الدائمة فإن مفهوم الثورة الثقافية يتضمن إمكانية حرق المراحل خلال حقبة غير محددة من الثورة الإشتراكية يغير فيها المجتمع جلده بإستمرار .

في حين أن مفهوم الثورة الثقافية لدى ماو تسي تونغ  يأخذ معنى الثورة المستمرة من منظورين :

-أ – كون الثورة تنطوي على تغييرات نوعية لا متناهية .

- ب – كونها لن تتوقف أبدا .

أما في حزبنا حزب البعث العربي الإشتراكي فقد جاء مفهوم الثورة الثقافية معبرا عن طبيعة النهضة العربية وعن قوانين التحول الموضوعي للحياة العربية في هذه المرحلة التاريخية فحالة الأمة العربية في مرحلتها التاريخية الراهنة هي حالة ثورة دائمة لأنها في حالة صراع مصيري طويل ؛ ونظرية الثورة الثقافية لا تنفصل عن مسيرة الثورة العربية فالنظرية والمسيرة كلاهما وجهان متداخلان ومعبران عن حقيقة موضوعية متحركة ونامية ومتفجرة هي النهضة العربية التي هي صراع يتداخل فيه العاملان الداخلي والخارجي ؛ فالثورة والثقافة كلاهما يستمدان معناهما  الحقيقي من صلتهما المباشرة بهذا الصراع لأن المخطط المعادي للثورة العربية هو بمستوى المؤامرة الدائمة والجواب عليه لا يمكن أن يكون إلا بمستوى الثورة الدائمة لذلك فإن الثورة الثقافية في الوطن العربي لا يمكن تصورها من خلال حدث يحدث وينتهي كل شيء بل هي مسيرة تنطلق من إستيعاب كامل لقانون موضوعي هو قانون ديمومة الثورة .

فالثورة الثقافية كما نفهمها ليست مسألة نظرية وليست حتى مسألة تثوير الثقافة بل هي مسألة الإغناء المستمر لمعطيات الوجود الثوري أي للفكر الثوري والبنية الثورية والعلاقات الثورية والفعابية الثورية وبكلمة واحدة إنتاجية الثورة على الصعيدين الذاتي والموضوعي القومي والقطري والإجتماعي والحضاري . فأمام آثار الظاهرة الإستعمارية التي ما تزال ذيولها حتى الآن ماثلة في الأفكار وفي الممارسات والتي أشار – فرانز فانون – في كتابه (عن الثورة الجزائرية في عامها الخامس ) الى عمق تأثيرها بقوله : ( الإستعمار يشوه الطبيعة الإنسانية ويقتلع الإنسان المستعمر من جذور ثقافته ويسلبه إستلابا كاملا ) .

وكذلك أمام مخلفات مرحلة الإنحطاط والتجزئة والتخلف وفي ظل بنية طبقية تضع جماهير الأمة في صف نضالي والطبقات المستغلة مع الإمبريالية والصهيونية في صف آخر لا يمكن للثورة العربية إلا أن تكون ثورة ثقافية دائمة ثورة في الأعماق تجدد المجتمع وتبدل الإنسان وتخلق الأمة خلقا جديدا ؛ فالثورة هي بمثابة الأكسيجين الذي ينعش بذور الحياة الجديدة على الأرض العربية وكلما قل الأوكسيجين وظهرت التشوهات كانت الثورة الثقافية عملية إنعاش جديد ة وتنقية للمناخ الثوري . ومن هذا المنطلق كان مفهوم البعث العربي الإشتراكي للثورة مفهوما ثقافيا فهي لا يمكن أن تكون إلا ثقافية تحمل نظرة جديدة  الى الواقع وتمتلك القدرة المتجددة على تغيير بنية هذا الواقع  تغييرا حسما وعميقا وحضاريا كفيلا بحل تناقضات المجتمع العربي وتحقيق شروط الإنبعاث القومي  ؛ وعلى ضوء هذا المفهوم للثورة تأخذ الثقافة معنى الثورة المتجددة ومعنى السلاح فهي جزء من الكفاح المسلح وهي نضال مع النفس ومع الفكر لكي يعيد النظر في الأمور الأساسية ويبعث الشخصية العربية من جديد .

أما الأسس التي قامت ليها نظرية الثورة الثقافية في البعث فتتلخص على ضوء دراسة تراث الحزب في المبادئ والمنطلقات التالية :

-1- النظرة البطولية الى الإنسان فقطع الصلة بمرحلة الإنحطاط لا يكون إلا ببدء عهد جديد هو عهد البطولة (3). والبطل هو التجسيد الحي لمفهوم الثورة الدائمة على مستوى الذات فالثورة الثقافية التي تتطلبها المرحلة الراهنة لحياة الأمة هي خلق البطل أي الشخص الذي يجسد في ذاته وفي نضاله الصلة بديمومة حياة الأمة وصيرورتها فتصبح حياته معبرا جزئيا عن معاناة الأمة  تقترن فيها الشجاعة في محاربة العدو الظاهري بمحاربة العدو الباطني  وتصبح خطا مستقيما واضحا لا فرق بين باطنها وظاهرها ولا تناقض بين يومها وأمسها فالبطل يتحول من مجرد فرد الى عضو في منظمة إنقلابية تصنع الأبطال والى إنسان يرتفع الى مستوى الرمز .

-2- النظرة الحية الى الثورة والى الحزب (4). النظرة القائمة على رفض النظرة الجامدة والقوالب الصنمية لأن الحركة الحية كما يقول القائد المؤسس لا تعرف التوقف وتيار الحياة تيار مبارك طاهر مهما تكن الشوائب التي تعلق به وحركة الإنبعاث ينبغي أن تكون كالبحر لا كالساقية الصافية التي لا تروي أمة ولا تصنع تاريخا فالعفوية والحرية والأصالة أساس حركة الإبداع والخلق ينبغي أن تشكل جوهر الحركة الثورية لذلك فإن الحركة مطالبة بإستمرار بأن تنبه الى الخطر الذي يسببه طغيان الشعارات التقليدية والألفاظ لأنها تصبح مهددة بأن تتحول الى صنم وأفكارها الى أصنام فتتردى في السطحية والتقليد ويضعف فيها التوتر والصراع .

-3- النظرة الجدلية لتاريخ الأمة العربية : فالإستعداد الدائم  الى التجدد والثورة وتجاوز الأوضاع المعيقة وقبول التحدي والولادة الجديدة عملية مستمرة في التاريخ العربي فهذه الأمة (5) : " التي أفصحت عن نفسها وعن شعورها بالحياة إفصاحا متعددا متنوعا في تشريع حمورابي وشعر الجاهلية ودين محمد وثقافة عصر المأمون فيها شعور واحد يهزها في مختلف الأزمان ولها هدف واحد بالرغم من فترات الإنقطاع والإنحراف فالأمة الحية تنمو وتتكامل  ويكون ماضيها مهما  سما  دون حاضرها ويكون مستقبلها  أمامها لا وراءها فللأمة دوما رسالة لم يكتمل أداؤها بعد " .

-4- مفهوم السيطرة على لزمن (6) : " المشكلة الرئيسية بالنسبة الى العرب هي أن يتمثل نزوعهم الى التخلص من الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والفكرية والنفسية التي تطبع واقعهم في حركة تستطيع أن تسيطر على الظروف وأول ما يمكن أن يذكر من شروط لهذه الحركة هو أن تكون من الناحية الفكرية في مستوى القضية التي تحاول حلها وأن يتحقق الإنقلاب العربي المنشود منذ الآن في الجيل العربي الجديد فلن نقول للعرب أنكم ستصلون الى الحياة الموحدة الحرة الإشتراكية في المستقبل وإنما  نقول لهم  هذه صورتها منذ الآن عندها يأتي المستقبل إلينا وينمو فينا ولا يعود شيئا منفصلا وخارجا عنا " .

-5- النظرة الإنقلابية الشاملة (7) : النظرة التي تربط  الإنقلابية بقوانين الصراع وتتوجه الى الجماهير الكادحة والى الشباب وتؤكد على الإعتماد على الذات وعلى القيم الأخلاقية المنبعثة من حاجات النضال وقوانينه العامة الأساسية فلا إنقلاب بدون صراع كما يقول القائد المؤسس ولا يمكن محاربة الأوضاع المفروضة على الأمة إلا من خلال الذين يتمسكون بها ويستفيدون منها فالإنقلاب هو صراع ضد الأوضاع وضد العقلية والخلق والمصالح السائدة والأمة لم تقطع بعد مرحلة الصراع الذي يحرر فكرها ويزيل التشويه عن روحها .

فطريق النهضة طريق الثورة طريق طويلة وكلمة السرّ التي تبقي على صحة الطريق هي الضريبة العادلة التي ينبغي أن تدفعها الأمم من أجل أن تنتقل الى الحالة السوية السليمة المتمثلة بالمعاناة والألم وبالثقة بالنفس والإعتماد على الذات حتى تتمكن من إكتشاف حقيقتها الإنسانية وكلمة السر هذه هي التي جعلت التوجه الى الشباب  أساسا من أسس إنطلاقة البعث  لأن صفات الشباب ومميزات الشباب هي وحدها المتلائمة مع حاجات أمتنا المتحفزة للبعث والنهوض ولأن الثورة بطبيعتها ذات روح شابة ولأن الشباب هم الذين أوصلوا بثقافتهم ونضالهم فكر البعث الى الجماهير الكادحة التي تشكل المادة الأساسية والعنصر الأساس في ثورتنا .

ثم إن الحركة التي تستند على لمصلحة المادية والمعنوية للشعب لا بد أن تكون منفصلة عن الفئات والقوى التي تدعم الإستثمار والإستبداد وأن يكون المجندون في هذه المعركة بصورة طبيعية بعيدين عن الإستغلال يفضلون حياة المبدأ على التمتع بالعيش الذي مازال محرما على الأكثرية الساحقة من الشعب (8).

-6- إنضاج معايير للعمل الثوري قائمة على جملة قوانين أساسية للثورة الثقافية أهمها :

-أ – قانون العودة الى الجماهير (فالجماهير هي المرجع الأخير ) وتصحيح النواقص والأخطاء في العمل الثوري والتخلص من الأمراض لا يكون جديا وصادقا إلا  بضمانة من وعي الجماهير ومراقبتها ومشاركتها ومصارحتها بالحقائق .

- ب – قانون العودة بإستمرار الى مبرر نشأة الحركة الثورية (9).

- ج – قانون المراجعة الدائمة وإستخلاص دروس التجربة الثورية وممارسة النقد الذاتي ممارسة حية جريئة والتمسك بالمقاييس الثورية وملاحظة مدى الإبتعاد عن إلتزامها والتقيد بها وإعتبار تطوير أساليب النضال الشعبي  مهمة ثابتة .

- د – قانون التصدي الدائم للنزعات التسلطية والأساليب البيروقراطية ومنطق الوصاية والفوقية على الجماهير والتنبه الدائم الى أن الحركة العربية الإنقلابية تجد نفسها في كل مرحلة من مراحل تطورها على مفترق طريقين فإما أن تكتفي بالخطوات التقدمية التي تحققت وإما أن تفيد من النصر النسبي لترفع مستوى وعيها ووعي الشعب ومستوى نضالها فتبقى حريصة على الأهداف الكبرى كاملة وواضحة وتوضح للشعب بإستمرار المسافة التي مازالت تبعده عن هذه الأهداف (10).

تلك هي الأسس التي قامت عليها نظرة البعث الى ثورته ثورة الأمة العربية وعلى ضوئها يتبين أن البعث  ولد ثورة ثقافية مستمرة ودائمة  فالبعث يصعد بلا إنقطاع نحو حقيقته فهو عملية تجاوز وتجدد وإبداع وثورته مسيرة لا تنقطع حتى يتحد إتحادا كاملا بذات الأمة ورسالتها وبروح العصر الذي يفتش بدوره عن حضارة جديدة .

ولم يكن البعث في تصوره هذا سوى الترجمة الأمينة لواقع سياق تاريخي حضاري تمر به الأمة العربية وشعوب العالم الثالث التي عرفت الإستلاب  الكلي للشخصية جرّاء ظواهر الإستعمار والتخلف والتجزئة والتي أصبح النضال بأوسع ساحاته وأعمق صوره قدرها الوحيد لإستعادة حيويتها وقدرتها على النهوض والمشاركة الجديدة في مصير العالم .

فأمم القارات الثلاث وتجاربها القومية التحررية المعاصرة وجدت نفسها أمام إرث معقد من الظواهر يتطلب سلسلة من الثورات المتداخلة والمتتابعة والمستمرة ويحتاج الى حركات ثورية تعرف كيف تكتشف إمكانية إستعمال المخزون التراثي من الإستعداد الثوري وكيف تضع القديم في خدمة إنجاز ثورة عصرية وإلغاء القطيعة بين العالمين المتراصفين داخل مجتمعاتها والعصور المتباعدة المستقرة داخل ذاكرتها ولا شعورها .

فالثورة الثقافية في الوطن العربي  وفي بلدان العالم الثالث عملية مصيرية تلبي حاجات التحول التاريخي المعقدة والمتشابكة وليس في مثل ظروف الأمة العربية ومرحلتها الراهنة  ما يؤكد هذه الحاجة .

مبررات الثورة الثقافية في الوطن العربي :

فلنتوقف عند اللحظة القومية الراهنة ولنتبين ملامح الثورة الثقافية التي نحن بحاجة إليها اليوم والتي يتزايد الشعور بضرورتها مع تسارع الأحداث على المسرح السياسي .

لنتوقف عند ما حدث في مصر قبل سنين أي بتاريخ 10/11/1975 كما هو معروف صدر قرار الأمم المتحدة بإدانة الصهيونية كحركة عنصرية وكان هذا القرار بمثابة يقظة في الوعي والضمير العالميين وكان يفترض بأن يكون هذا القرار نقطة إنطلاق من أجل نضال عالمي يساند الحق العربي ضد الكيان الصهيوني والعنصري المغتصب .

ولكن ماذا حدث ؟؟؟ في 19/11/1977 ي بعد سنتين فقط يصاب  هذا الوعي والضمير العالميين بصدمة ليس لسرعتها مثيل في التاريخ لأن المبادرة الخيانية للسادات قد تجاوزت المقاييس العالمية للجنس البشري وقد أحدثت  عملية السادات دهشة وفرحا لا مثيل لهما داخل الكيان الصهيوني وفي الأوساط الإمبريالية  التي إستغلتها بإتجاه معاكس لمعنى قرار الأمم المتحدة  فكيف نفسر هذا اللامعقول الذي يجري على الأرض العربية ؟؟

نحن هنا في الوطن العربي كنا أقل دهشة فجماهير أمتنا كانت تراقب تدهور أنظمة التسوية المتسارع وتدرك لعبة الترويض التي مورست بحقها فلم تكن تلك العملية المسرحية بالنسبة إليها سوى فصل معلن جديد من مسرحية الخيانة التي تجري معظم فصولها في الخفاء وببطء شديد  يساعدان أبطالها على القيام بأدوارهم في غفلة عن الجمهور وعن رد فعله المباشر العفوي الثوري .

فخطوة السادات لم تكن مجرد حادثة بل هي كاشف عن مستوى الحضيض الذي أصبح يستفز الضمائر ويتحدى العقل العربي ويؤكد الحاجة الى ثورة ثقافية تخرج الحياة العربية من هذا الوادي الغارق بالآثام ؛ فالجريمة هنا محطة على الطريق والمجرم ليس فردا واحدا أو نظاما بمفرده بل نفر وفئات وطبقات وأنظمة تسير في قافلة الردة المعاكسة لخط النهضة العربية والإتجاه العام للتطور البشري .

ولئن كانت مصر العربية هي القطر الذي شهد الحادث فّإنه ليس حدثا قطريا فحدوده ومعانيه تمتد على الوطن العربي وتمس جوهر قضية النضال العربي في المرحلة الراهنة حكام وأحزاب  ومثقفون وقادة كانوا بالأمس محسوبين على الثورية والتقدمية أصبحوا هم اليوم يتصدرون المسيرة الرجعية المتواطئة مع الإمبريالية والصهيونية ضد الثورة العربية وأهداف النضال العربي ؛ فالنكسة شاملة والجواب عليها لا بد أن يكون شاملا وهي عميقة ولا بد أن تستوعب أولا حتى يخرج الحل العميق الشافي من الداخل فهي تعبير عن إنحراف خطير يأتي محصلة لأنواع من الخلل الفكري والنفسي والتربوي بعضه ورثناه من مرحلة الإنحطاط والإستعمار وبعضه الآخر يأتي على شكل مكافآت لأعداء الثورة العربية نتيجة نجاح مؤقت لتخطيط بعيد وتآمر مكثف وجهود لا تكل تستند الى مراكز للبحوث تعمل بدأب شديد وتخطيط علمي لتحطيم الشخصية العربية من داخلها وتمزيق المجتمع العربي وضرب الإنطلاقة العربية التي شهدت أروع ملاحمها وأكثرها إيلاما للعدو وتهديدا لكيانه وأطماعه في الوطن العربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في ميلاد البعث وثورة عبد الناصر وثورة الجزائر ووحدة سورية ومصر وإنطلاقة الكفاح المسلح والثورة الفلسطينية وثورات العرابق في 14 تموز و14 رمضان وأخيرا 17 تموز التي إرتفعت الى مستوى جديد في الفكر والتخطيط والممارسة الثورية وفتحت آفاق هذا القطر المناضل على عملية ثورة ثقافية مستمرة ؛ فالثورة الثقافية التي نحتاجها اليوم هي من أجل نتابع الصعود وأن نعالج أنواع الخلل التي إستغلتها المؤامرة الدائمة على القضية العربية لإلحاق الأذى بالأمة العربية وأنواع الخلل الرئيسية هذه يمكن ن تحصر في ثلاثة :

-         أ – الخلل في النظرة الى العدو : فنحن نواجه عدوا له إيديولوجيته وممارساته المعروفة على مدى قرن بكامله ومن يجهل كيف تفكر الحركة الصهيونية وكيف تخطط وما هي قيمها وما هي أساليب تنشئتها للأطفال في الكيبوتز وما هي نظرتها الى الشخصية العربية لا بد أن يوقعه جهله حتى ولو كان بريئا في مخطط العدو فكيف إذا رسم له صورة معاكسة لطبيعته وراح يتصرف معه لا على أساس الخديعة الكاملة بل على أساس الخيانة الكاملة فلا يكتفي بن يطلب السلام والأمان والرفاه من السفاح الغاصب الطامع المعتدي بل إنه يتبنى قيم العدو ويصبح معه في صف واحد .

فالمسألة هنا لا تعود مسألة فكرية ومسألة جهل أو تجاهل فحسب بل هي مسألة خلل نفسي وتربوي أي خلل في بناء الشخصية مصدره الرئيس هو الثقافة الإستعمارية وعقلية الإنحطاط الموروثة عن مرحلة الإنحطاط ؛ ومثل هذا الخلل لم توله الحركات الثورية في الوطن العربي  في المرحلة السابقة إهتماما كافيا ولم تركز على معالجته التركيز المطلوب فبقي إحتياطيا للردة كامنا في داخل الثورات نفسها  وهذا الخلل هو أول مبرر للثورة الثقافية التي نحتاجها اليوم .

-         ب – الخلل في النظرة الى الذات : فنحن اليوم وفي ظل مرحلة التحدي المصيري مع عدو متبلور الهوية لا يمكن أن يتغير بالإيحاء وبالعواطف وبقدرة ساحر ؛ لا يمكن أن تكون نظرتنا الى ذواتنا صحيحة إلا من خلال معطيات هذا الصراع المصيري والحضاري .

ففي تموز 1959 كتب " فرانز فانون " يقول : ( إن الجزائر القديمة قد ماتت وإن مجتمعا جديدا ولد على الأرض الجزائرية إن كل هذا الدم البريء الذي تدفق غزيرا في الشرايين على رض الوطن قد عمل على إنهاض إنسانية جديدة ...) .

إن الدم العربي دم الشهادة الذي تدفق في الجزائر وفي مصر وسورية وعلى أرض فلسطين هذا الدم قد حدد هوية جديدة للوطن العربي هوية الإنبعاث والنهضة ولا يستطيع أن ينال من هذه الحقيقة أو يقلل من شأنها أحد . فعروبتنا كنسب موروث لم تعد شرعية إلا بمقدار ما نكتشف المعنى النضالي لها فنتابع الطريق الذي سلكه شهداء أمتنا  ومن يتنكب عن ذا الطريق فليس بعربي مهما كان لسانه ولونه وسجل نفوسه ؛ فعروبتنا الموروثة لغة وتاريخا وحضارة هي أمانة لا نكون جديرين  بحملها ولا نستحقها إلا عندما تأخذ هويتنا  القومية معناها الإنقلابي  معناها التحرري الوحدوي الإشتراكي  فإذا لم تصل نظرتنا الى ذاتنا القومية درجة القدرة على التمييز بين لا شرعية عروبة من يحمل السلاح ضد القضية العربية ومن يفرط بها ويساوم عليها وبعترض طريق نضالها وبين الإنتساب الحقيقي النضالي الذي يخلف الفكر المناضل والشخصية المناضلة ؛ إذا لم نحقق هذا المستوى فإن ميوعة المقاييس كفيلة بخلق حالة من الخداع  المزدوج  مع النفس ومع العدو وهذا ما رأيناه عندما سمعنا من يتكلم عن الإنحطاط  بإسم لحضارة ومن يصف الردة بالثورة ومن يضع رجليه في أوحال الخيانة ويظن نفسه من حدائق السلام .

-         ج – أما الخلل الثالث فيكمن في النظرة الى العالم : فعدم التمييز بين العدو والصديق وبين الخصم والحليف لا بل وعكي الآية أحيانا بحيث يصبح العدو الإمبريالي صديقا وحبيبا ؛ لا يمكن أن يكون مجرد محصلة للنوعين السابقين من الخلل في النظرة الى لذات والعدو بل إنه الى حد كبير نتيجة لمؤامرة مخططة وموجهة ومسلحة بأحدث وسائل العلم لضرب الثورات من داخلها وتشويه الوعي وإفساد المؤسسات وترويض المناضلين . فمراكز الأبحاث في العديد من جامعات الولايات المتحدة ( هارفرد ؛ كولومبيا ؛ وبرستون ) ومعاهد ومؤسسات أكاديمية أمريكية كمهد ( هوفر) تركز إهتماما عجيبا على دراسة مشكلات الثورة كما يشير الى ذلك بالتفصيل ( يوري كزارين) في كتابه ( علم إجتماع الثورة ) فقد أصبح للثورة علم وعلم الثورة سلاح ذو حدين فالإمبريالية إتخذت منه دليلا للإهتداء الى أنجح السبل لمقاومة الثورات والتآمر عليها ولغمها من داخلها كما فعلت مع حركة الفهود السود لتعطيل فعالية الثورة وقدرتها على الإستمرار  في التطور ولتحويل عناصر من داخل الثورة الى ألدّ أعداء الثورة .

وعلى ضوء الأنواع الثلاثة من الخلل تصبح الحاجة الى إحداث تحول حاسم وعميق في النظرة الى الذات والى العالم في الوطن العربي  قضية ملحّة فالثورة العربية لن تتمكن من التسلح  بأسلحة متفوقة على أسلحة العدو وتستأصل جذور الإنحراف والردة إلا إذا إمتلكت أجوبة حية وشافية على إنهيارات المرحلة العربية التي تكررت بدءا من الإنفصال عام 1961 ثم هزيمة حزيران 1967 والمبادرة الخيانية المشؤومة عام 1977 تلك الإنهيارات التي لم تتمكن الأجوبة الدفاعية السابقة من وقف تدهورها . ولكن إذا كانت الثورة الثقافية تشكل الجواب  الحتمي بالنسبة الى حركة الثورة العربية اليوم فما هي ملامح هذا الطريق ؟؟؟؟

الثورة الثقافية المطلوبة :

في معركة مع عدو صهيوني إمبريالي لا نتكافأ معه اليوم في مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي الحديث وفي مستوى التنظيم والتعبئة وغيرها من مكتسبات الغرب ولا يتكافأ معنا في شرعية القضية وإنسانية الرسالة وتقدمية الإيديولوجية يصبح عامل الزمن شيئا مهما وخطيرا فهو مأساة مدمرة إذا بقي طويلا الى جانب العدو وهو عنصر مهم في نحاج الثورة العربية عندما يتوقف عن أن يكون قدرا غاشما ثم عندما يبدأ بالتحول الى جانبنا فأول ملمح من ملامح  الطريق الى الثورة الثقافية في الواقع العربي الراهن هو في تحقيق هذا التحول الذي يبدأ بربط البنى الفوقية من إعلام وثقافة وتربية وتشريع وأدب وفلسفة وفنّ وكل مكونات الوعي القومي والإجتماعي والحضاري  وكذلك البنى القاعدية ( أي تحويل الطبيعة وتطوير الإقتصاد) بحاجات معركة داخلية وخارجية طويلة وحاسمة .

فنحن لا نستطيع أن  نحتال على الزمن  ولا بد أن ندفع ثمنا عادلا في نضالنا ولكننا في الوقت الذي لا نستطيع فيه أن نحرق المراحل لا يجوز أن نطيل في عمر المراحل التي إنتهت وينبغي أن تزول فلا بد من تعبئة القوى وتركيز الجهود من أجل تهديم المعيقات حتى لا تتحول الى أسلحة مضادة  في أيدي العدو.

وإذا كانت المعركة المتصلة وعلى المدى البعيد ما تزال حتى الآن قدرا يفرضها علينا لعدو فإن الثورة الثقافية تبدأ من تحويل هذه المعركة الى دستور لحياتنا يملي على الثقافة وعلى الإقتصاد وعلى كافة المؤسسات ضرورات التكيف بإتجاه المعركة فتنشأ مدرسة المعركة وثقافة المعركة وإقتصاد المعركة وأخلاق المعركة الى جانب معسكر المعركة وثكنة المعركة وميدان المعركة تلك هي معركة النهضة التي يمكن أن تتكافأ  مع معركة الغزو والإحتلال والعنصرية والفاشية للعدو .

فالمعركة كمسيرة تتبلور حولها حياتنا  برمتها وتنشأ أجيالنا ضمن إطارها  هي طريق تنقية حياتنا من رواسب عهود الإنحطاط والإستعمار وتثوير النفوس والتحويل الثوري للعادات وبناء الإنسان الذي يفهم بعمق معنى الثورة ويربط القيم النضالية بمحتواها التقدمي والإنساني الصحيح وإعداد  الجيل المستوعب لمهمته التاريخية .

فطريقنا الى الثورة الثقافية اليوم هو الطريق ذاته لذي سلكته الأمة العربية عندما إنطلقت من الجاهلية الى الحضارة فتكوين العقلية الوحدوية والنفسية الإشتراكية والروح الثورية والنزعة الحضارية والإيمان بالحرية  لا يمكن أن يتم وسط  أطر تقليدية  ضيقة ومؤسسات بيروقراطية ومقاييس عادية فلا بد من مدرسة ومعمل وحقل تعمل جميعها وتتعلم وتتفاعل من خلال مدرسة أوسع هي مدرسة الحياة – المعركة .

وفي ظل هذه البداية تبرز الملامح المكملة للثورة الثقافية المطلوبة :

-         أ – نواة وحدوية نامية تنصهر فيها قوى النضال العربي وتستوعب كل دروس المرحلة وتستأنف مسيرة النضال بمستوى جديد يفتح الحدود المطلة على العدو جنبا الى جنب مع الحدود المطلة على الأمراض الداخلية التي تشلّ إرادة النضال .

-         ب – طاقة جماهيرية متفجرة تعيد للشعب العربي سيطرته على الشارع وتفتح الأبواب أمام ديموقراطية  شعبية واسعة تتسع  للمحيطات البشرية على إمتداد الوطن العربي وتتفجر من خلالها قوى النضال وتتحول الى طاقة مشعة تضاعف مردود العمل النضالي ؛ فالديموقراطية  والإنفتاح على الشعب والإيمان بالحرية وحقوق الإنسان دعوة مضللة إذا لم تكن جزءا من إستراتيجية المعركة وهي لا يمكن أن تكون جدية ولا يمكن أن تتحقق إلا ضمن إطار مسيرة نضالية شاملة وصاعدة تدخل الجماهير في قلب المعركة وتعمق مشاركتها في قيادة النضال وتوفر لها شروط الإبداع في النضال .

-         ج – إصلاح تربوي شامل يحقق شروط خلق  الشخصية المبدعة في النضال ويربط تكوين الطفل العربي والأجيال العربية بحاجات المعركة فالقيم الثورية والعقلية العلمية الحديثة أي التكوين الإنساني الحضاري الذي يمكن أن نواجه به التحدي مع العدو وأن ننتصر عليه لا يمكن  أن تنمو إلا ضمن أجواء النضال الجدي الحقيقي الذي يجب أن يلمسه الطفل أمام كل معطى من معطيات وجوده الحسي . فلئن كان عدونا قد وضع نفسه وأجياله أمام مأزق تاريخي  وراح يتذرع بأساليب مصطنعة للحياة ذات طابع فاشي زرعت في نفوس أفراده وفي شخصياتهم كل أمراض الحضارة الأوروبية وأقام شرط وجوده المصطنع المفروض بقوة التآمر على أساس تحطيم الوجود العربي وتفتيته ؛ فإننا نحن أبناء الأمة العربية لا نحتاج الى شيء من الإصطناع في نضالنا لأن النضال هو الحالة السوية الوحيدة بالنسبة الى العرب في مرحلة نهضتهم المعاصرة وكل شيء في هذه النهضة طبيعي وحق وخير طالما أنها تحول وإنتقال من مرحلة ومن أوضاع غير إنسانية وغير عادلة الى حالة من التطور الإنساني  الحضاري التقدمي تلتحم من خلاله مسيرة الأمة العربية بمسيرة الثورة في العالم .

فكل ما نحتاج إليه هو أن ننسجم مع طبيعة هذه النهضة وما الثورة الثقافية التي تقودها  ثورة البعث لإنتشال  الواقع العربي من مستنقع التسوية والإستسلام إلاّ  بداية التحول عن دروب التردي والإنحطاط التي سلكتها غالبية الأنظمة المتآمرة على المصير العربي جنبا الى جنب مع العدو الإمبريالي الصهيوني ؛ وبدء نهوض وإرتفاع جديد بالثقافة والثورة الى مستوى الشمول القومي والعمق الحضاري المطلوبين لتصحيح أنواع الخلل في النظرة الى الذات والى العدو والى العالم ولمتابعة المسيرة النضالية الهادفة الى تحقيق إنسانية جديدة  على الأرض العربية .

الهوامش :

-1- LUCIAN.W . PYE – Maotse-Toung . un portait 1976 p.263

-2- E.C . Pishell . La revolution in interropue 1964.

-3- ميشيل عفلق : في سبيل البعث ( عهد البطولة ) .

-4- نفس المصدر : النظرة الحية الى الحزب .

-5- نفس المصدر : حول الرسالة العربية .

-6- نفس المصدر : الحركة الفكرية الشاملة .

-7- نفس المصدر : الصالة بين لعروبة والحركة الإنقلابية .

-8- ميشيل عفلق : نقطة البداية ( الجماهير هي الضمانة ) .

-9- نفس المصدر .

-10- إلياس فرح : تطور الفكر الإشتراكي للبعث – صفحة 44.

بحث منشور بمجلة آفاق عربية العدد 8 نيسان 1978

صفحة 24-29

 

 

Publicité
Publicité
Commentaires
Présentation
Ce site, animé par le Collectif Algérie-Machreq, est consacré à la mémoire historique de la Nation arabo-musulmane, à l'intellectualité, la spiritualité, la culture, l'expérience révolutionnaire des peuples arabes. La Palestine sera à l'honneur. 


Publicité
Newsletter
Visiteurs
Depuis la création 445 081
Publicité