Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
في سبيل العروبة الحضارية - Sur le chemin de l'arabité civilisationnelle
15 juin 2022

أم ســــــــــعــد , غسان كنفاني - فلسطين

Oum saad

 

كانت أم سعد قد وصلت، نازلة، إلى الطابق الثالث لاهثة وراء الماء ورغوة الصابون، وبرد الشتاء يقرص قدميها الحافيتين. بلحم كفيها المضرجتين بآثار أحذية الصاعدين والهابطين كانت تفرك الأرض الرخامية وسط ليل الناس النائمين عميقا في دفء غرفهم المترامية وراء الأبواب المغلقة. وفجأة أحست بامرأة تقف وراءها، مكتفة ذراعيها على صدرها، ناظرة إليها بإمعان كأنها تنتظرها منذ دهر. وحين التقت نظراتهما، قالت لها المرأة:

"يعطيكي العافية."

"الله يعافيكي يختي."

انتصبت أم سعد بقامتها العالية، شادة ظهرها إلى الوراء وهي تشعر الألم يطوي عظامها. كانت المرأة الواقفة هناك تبدو ريفية، وغريبة في انتظارها الغامض.

"خير؟"

وقالت المرأة:

"جئت إليك لأقول شيئا. أنا التي كنت انظف هذا الدرج ثلاث مرات في الجمعة. وقبل شهر وثلاثة أيام جاء الخواجا فقال لي مع السلامة. كم يعطونك؟"

"خمس ليرات يختي."

"كانوا يعطونني سبع ليرات. أنا امرأة عندي أربعة أولاد. وقالوا لي سبع ليرات كثير."

"وجعلوني أنا اقطع رزقك. الله يقطع رزقهم."

واقتربت المرأة خطوتين نحو أم سعد.

"وما ذنبك أنت؟ أنت مثلي وعندك أولاد. ولكنني أقول لنفسي وقد انقطع رزقي: آتي إليك، فلعل المكان الذي كنت تعملين فيه قبل أن تأتي إلى هنا ما زال شاغرا فتدليني عليه."

وقالت أم سعد:

"ومنين الأخت، بلا صغرة؟"

"أنا من الجنوب."

"فلسطينية؟"

"لأ، لبنانية من الجنوب."

ومسحت أم سعد راحتيها المبللتين بردائها، ثم أخذت تنزل كميها المشمرين، وتنظر حولها، ثم قالت:

"يختي، والله لم أكن أعرف، ولم يقولوا لي. خذي اشطفي بقية الدرج. الله يقطع هالبناية وصحابها. أنا اشتغلت هنا شهر وثلاثة أيام. وأجرة الأسبوعين الأخيرين لم اقبضها بعد. غدا صباحا قولي للخواجا إن أم سعد سامحتني بالأجرة."

وأخذت المرأة تنشج. وكان الدرج مبتلا، وهسيس الماء، وهو ينحدر من درجة وراء الأخرى يصعد إلى سمعيهما كهدير غامض لنهر عميق. ودون أن تلتفت، أخذت أم سعد تنزل الدرج، وظلت لفترة طويلة تسمع نشيج المرأة الواقفة على مصطبة درج الطابق الثالث. وحين وصلت إلى المدخل، وقفت هنيهة تصيخ السمع حتى سمعت صوت الماء يتدفق من جديد. وعندها فقط تنفست بعمق، ثم وجدت نفسها تبكي وهي تخرج إلى الطريق.

- - - - -

مقطع من رواية أم سعد لغسان كنفاني.

الناشر: مؤسسة الأبحاث العربية. لبنان. الطبعة الرابعة، 1987.

 

https://www.oudnad.net/spip.php?article2103

Publicité
Publicité
Commentaires
Présentation
Ce site, animé par le Collectif Algérie-Machreq, est consacré à la mémoire historique de la Nation arabo-musulmane, à l'intellectualité, la spiritualité, la culture, l'expérience révolutionnaire des peuples arabes. La Palestine sera à l'honneur. 


Publicité
Newsletter
Visiteurs
Depuis la création 445 157
Publicité