Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
في سبيل العروبة الحضارية - Sur le chemin de l'arabité civilisationnelle
17 juillet 2022

د. فارس الخطا: التدمير الممنهج للحضارة العراقية

فارس الخطا

 

العراق، بلاد الرافدين، مهد الحضارات، وبداية التاريخ الإنساني المسجل عالميا، تعرض خلال تاريخه الممتد إلى آلاف السنين إلى الكثير من الغزوات وتكالب الأمم عليه، لإطفاء وهج نموه وبناءه الإنساني الحضاري، وغالبا ما كانت الأمم التي تنجح في إسقاط حضارة ما من حضارات وادي الرافدين تعمد إلى تدمير أسس وشواهد هذه الحضارة، لكن ما تحفظه ذاكرة العالم، وذاكرة العراقيين خاصة ؛ نكبتان أساسيتان تركتا آثارا سيئة عميقة على واقع ومستقبل شعب العراق وشطبتا بإمتياز ما كان عليه العراق من قوة وعلم وتماسك وطني، تلك النكبتان هما: الاحتلال التتري وإسقاط الخلافة العباسية عام 1258م، ثم الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003م حيث قام كليهما بتدمير بنى العراق الحضارية والعلمية والتاريخية عن عمد بهدف منع هذا البلد من إعادة تشكيل نفسه بإرادة شعبه.

صحيح أن الغزاة لا يسعون لبناء حضارات في الدول التي يحتلونها، وصحيح أيضا أنهم سواء كانوا يحكمون هذه الدول مباشرة أو من خلال إمعاتهم، يسابقون الزمن من أجل تفتيت الصورة النمطية القائمة لدى شعوب هذه الدول عن طريق إضعاف الهوية الوطنية واستبدالها بالهويات الفرعية طائفية كانت أم قومية أو عشائرية. لكنهم مع ذلك يلجؤون غالبا إلى إشغال هذه الشعوب بمشاريع استهلاكية تزيد مساحة الهوة بين قدرتهم على التغيير، وبين تحولهم إلى أنماط حياتية لا يمكن معها بأي حال من الأحوال استذكار تاريخهم المجيد وتحفيزهم على إذكاء روح الثورة على واقعهم الفاسد.

الولايات المتحدة التي احتلت العراق مع المملكة المتحدة عام 2003م، أعدت العدة قبل ذلك التاريخ بفترة طويلة نسبيا (عام 1991م)، حيث وجهت، وبعد ضعف سيطرة حكومة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين على مناطق جنوب العراق، مافيات تهريب الآثار لنهب المواقع الأثرية التي تم تسجيلها عراقيا وعالميا على أنها تمثل كنوزا حضارية، وتجاهلت عن عشرات المزادات المعنية ببيع الآثار في الولايات المتحدة، فتم عرض وبيع الآف القطع الآثارية لوادي الرافدين، بما يشكل جريمة مركّبة تجاه تاريخ الحضارات الإنسانية الأولى في العالم؛ فهي قطعت العلاقة بين مواقع حفر ونهب هذه القطع وبين تاريخ الحضارة المنتمية لها، كون ما يميز العراق القديم أنه احتوى عدة حضارات متطورة وليس حضارة واحدة، كما هو حال أغلب الأمم، إضافة لكونها قطع مسروقة لا يجوز قانونا بيعها بمزادات علنية.

بعد احتلال العراق عام 2003م قامت القوات الأمريكية بشكل خاص بجرائم مثبتة تجاه محو تاريخ العراق، فقد قامت هذه القوات بحماية العشرات، إن لم يكن المئات، من المكلفين مسبقا باقتحام المتحف العراقي في بغداد وسرقة محتوياته المهمة، وخاصة بالنسبة للكيان الصهيوني، كجدارية السبي البابلي على سبيل المثال، كما سرقت أيضا نفائس الآثار العراقية المصنوعة من الذهب الخالص والمعادن النفيسة التي كانت محفوظة في خزائن البنك المركزي العراقي، ثم حولت هذه القوات مواقع آثارية مسجلة ضمن منظمة “اليونسكو” كمواقع تراثية عالمية، مثل موقع مدينة بابل التاريخي، الذي حولته قوات الاحتلال الأميركي إلى قاعدة عسكرية أميركية، وقد رأيت خلال زيارتي إلى المتحف البريطاني في لندن صورة مؤلمة جدا وضعتها إدارة المتحف في الجناح العراقي تمثل شاحنات عسكرية أميركية فوق آثار بابل وقد غطت جزء من الأرض آثار زيوت المحركات، وجدير بالذكر، أن د. زينب البحراني، أستاذة الفن وعلم الآثار للشرق الأدنى القديم في جامعة كولومبيا الأميركية، كتبت تقول بهذا الصدد: ”كنت شاهدة على الاستهتار بقوانين الآثار. إن أرض بابل قد تم تجريفها ودفعها إلى قلب الموقع الأثري الذي ما بين المسرح الذي يرجع أصله إلى عمر الإسكندر الأكبر وقصر نبوخذ نصّر، من أجل إنشاء مهبط للمروحيات ومواقف للسيارات والمنشآت المعيشية للقوات العسكرية الأميركية، وحين كنت أحتج لدى قائد القاعدة كان ينفي أي ضرر حاصل في الموقع، في الوقت الذي كنت أشاهد خلفه جرافة تعمل من بعيد في منطقة المعبد البابلي. إن عبارة (أن الولايات المتحدة قد شغلت بابل عسكريا بقصد حمايتها) تشبه العبارة القائلة (إن الولايات المتحدة إحتلت العراق من أجل حمايته). وجاء بعدها الاعتراف الأميركي بالعبث بالمواقع الأثرية العراقية حين رصدت واشنطن لدائرة الآثار العراقية الحكومية مبلغ مليون دولار كمساهمة منها في إصلاح ما دمره جنودها في مدينة بابل الاثرية”.

لم تستطع الحكومات العراقية منذ عام 2003م حتى الآن، ورغم تعاون الشرطة الدولية بموضوع متابعة وملاحقة الآثار المنهوبة من العراق من استرداد جميع قطع الآثار لمنهوبة، ورغم أن عمليات التهريب بعد احتلال العراق فعليا كانت تمر عبر موانئ دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت وسوريا والأردن صوب الولايات المتحدة ودول أوروبية ومن خلال مافيات تعمل وفق إجازات تصدير مزورة إلا أن رعاية شركات كبرى مثل شركة “هوبي لوبي” التي يرأسها ستيف جرين وهو ذاته رئيس مجلس إدارة ومؤسس متحف الكتاب المقدس، وهذه الشركة اشترت معظم الآثار العراقية المهربة لإغراض تتعلق بالتوراة كما استنسخت بطريقة دقيقة جدا عشرات الآلاف من اللقى والألواح الآثارية العراقية، يقول الدكتور عارف الخطار، أستاذ علم الجريمة بجامعه كاليفورنيا بولاية بنسلفانيا، لـصحيفة (العربي الجديد):” في قصة هوبي لوبي، لم تكن المشكلة فقط تزوير في فواتير شحن الآثار التي تم التلاعب بها من التاجر المقيم بدولة الإمارات والذي قام بشحن طرود تحتوي على القطع الأثرية إلى ثلاثة عناوين مختلفة لشركة “هوبي لوبي” ببيانات مزيفة تشير إلى أن محتوى الطرود هو بلاطات من السيراميك، بل تعدى الأمر ذلك إلى عملية نقل مقتنيات أثرية مسروقة خرجت من العراق بصورة غير قانونية”.

ذكر البروفيسور جون راسل، المستشار الثقافي لوزارة الخارجية الأميركية بأن اسوأ حالات السرقة وقعت في جنوب العراق، حيث تعرضت المئات من المواقع للاقتحام. وقال: ”إن مواقع مهمة تبدو الآن للناظر كتضاريس القمر مليء بالحُفر”. وأضاف راسل: “إن السارقين يعملون بشكل منفرد، وهم يتسللون إلى المواقع الآثارية ويحفرون ولا يوثقون ما يعثرون عليه. ولا يعثر على القطع التي يسرقونها إلا عندما تقع في أيدي الشرطة خارج العراق أو تظهر في مخازن تجار الآثار؛ فعلى سبيل المثال، ضبطت سلطات الجمارك في نيويورك مؤخرا شحنة تحتوي على عشرات الألواح المحفور عليها بالخط المسماري وهو أقدم خط معروف على الاطلاق. وحتى العثور على هذه الألواح لم يكن أحد يعلم بوجودها أصلا، وهذه الألواح عينة صغيرة من أكثر من 1054 قطعة أثرية سرقت من العراق وعثر عليها في الولايات المتحدة الاميركية فقط “.

إن تاريخ العراق ملك لشعب العراق وهو جزء رئيس من هويته الحضارية وشخصيته الوثابة نحو البناء والتطور، والتمسك بإرثه التاريخي يعني إعادة تجديد هذه الروح، لذلك سعت قوات الاحتلال المتعددة ؛ الولايات المتحدة، إيران، الكيان الصهيوني، وأدواتهم، إلى وضع هذه المسألة موضع الاهتمام المستمر سواء بالتدمير الموضعي أو بتهريب الآثار أو بحجب المعرفة عن الأجيال الجديدة بتاريخهم الحضاري الإنساني عبر تغيير مناهج التعليم العراقية بما يخدم جميع الأطراف التي لا تريد للعراق التحرر والنهوض.

 

 

شبكة البصرة

2022 الاحد 11 ذي الحجة 1443 / 10 تموز

 

 

Publicité
Publicité
Commentaires
Présentation
Ce site, animé par le Collectif Algérie-Machreq, est consacré à la mémoire historique de la Nation arabo-musulmane, à l'intellectualité, la spiritualité, la culture, l'expérience révolutionnaire des peuples arabes. La Palestine sera à l'honneur. 


Publicité
Newsletter
Visiteurs
Depuis la création 444 964
Publicité