Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
في سبيل العروبة الحضارية - Sur le chemin de l'arabité civilisationnelle
10 mai 2020

دور الفكر القومي في تحقيق النهضة العربية الحديثة, أ.د. مؤيد المحمودي

1

بعد الحرب العالمية الأولى أصبح الفكر القومي من أهم النهج العقائدية المناصرة لقضايا الوطن العربي الذي يمتد جغرافيا من المحيط إلى الخليج ويحمل تراثا مشتركا تجمعه اللغة والثقافة والتاريخ والمصير الواحد، اضافة الى مبدأ حرية الأديان.
وكانت بدايات الوعي السياسي لتفعيل الدور القومي العربي قد برزت مع تفكك الدولة العثمانية، عندما تبنت هذه الدعوة حركات فتية عربية مناهضة لسياسة جمعية الاتحاد والترقي التركية التي أقدمت على ممارسة قمع العرب ومحاولة تتريكهم وإلغاء وجودهم الثقافي. ثم تنامى هذا الوعي القومي لاحقا فيصبح مصدر الهام لحركات التحررالعربية التي نشطت ضد اجتياح الاستعمار البريطاني والفرنسي والإيطالي والصهيوني والفارسي للوطن العربي. ومن خلال هذه الحركات التحررية أخذ الخطاب القومي العربي يتخذ طابعا جديدا برزت فيه أهمية الترابط الوثيق بين الدعوة الى تجميع قوة العرب في اطار وحدوي جنبا الى جنب مع طموحات التحرر الكامل من الاحتلال الأجنبي لإقامة مجتمع ديمقراطي يمتلك القدرة على حرية التعبير. وكان من أهم رواد هذا الخطاب القومي الجديد زكي الأرسوزي و ساطع الحصري ومحمد عزّة دروزة وقسطنطين زريق والحركة الناصرية (التي تأثرت بشخص الرئيس الراحل جمال عبد الناصر) وحزب البعث العربي الاشتراكي. الا أن الخطاب القومي لحزب البعث يعتبر الأوسع تأثيرا والأكثر رسوخا في المجتمع لأنه نابع من نهج ايديولوجي عريق يترك بصماته على قاعدة حزبية عريضة، بينما تبقى الأفكار الفردية عرضة للانكفاء والتلاشي حال ابتعاد الأشخاص عن نشاطهم الفكري. اضافة الى ذالك فان ما يميز الفكر القومي لحزب البعث هو تبنيه لمبدأ الاشتراكية كي يضاف الى مبادئ الوحدة والحرية، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بحيث تكون هذه الاشتراكية متلائمة مع الواقع والقيم العربية. وقد استمد حزب البعث خطابه القومي من طروحات المفكر زكي الأرسوزي الذي يعتبر الأب الروحي لفكرة تأسيس الحزب في عام 1947 من قبل القائدين المؤسسين ميشل عفلق وصلاح الدين البيطار.
بعض الاطراف الخارجية والداخلية التي يهمها اضعاف أي مسعى لقيام تجمع عربي وحدوي، تقوم بين الفينة والأخرى بإثارة نعرة التشكيك في النهج القومي العربي وتتهمه باطلا بالعنصرية والشوفينية. لكن هذا الاتهامات سرعان ما تتهاوى على أرض الواقع لأن هذا الفكر يرتكز على مبادئ انسانية تنشد التعايش والتسامح مع القوميات الأخرى التي تقطن في كنف الوطن العربي. وهذا التحصين للفكر القومي ضد الانزلاق نحو التعصب القومي المتطرف ربما يكون ناتج من تأثره إيجابيا بقيم الدين الاسلامي الذي يعتنقه معظم العرب. وقد اعتمد العرب عبر تاريخهم الطويل هذا النهج الموضوعي للتعايش بسلام مع الأقليات القومية الأخرى، من خلال مبدا المواطنة التي منحت هذه الأقليات المساواة في الحقوق والواجبات الاجتماعية والمشاركة السياسية بغض النظر عن الاختلاف في التصنيف القومي. وفي ظل هذه المبادئ ظهرت أمثلة تطبيقية عديدة على تلاشي ظاهرة التمايز القومي لدى العرب اتجاه القوميات الأخرى، منها بيان 11 آذار في عام 1970 الذي أصدره النظام الوطني لتأسيس الحكم الذاتي في شمال العراق وضمان حصول أبناء القومية الكردية على الحقوق الثقافية والادارية. وكذالك سماح العرب لمواطنين من قوميات أخرى غير عربية مثل الأمازيغية والكردية والتركمانية والشركسية والأرمنية في تبوأ مواقع مهمة وحساسة في الوطن العربي.أما الممارسات التعسفية التي تعرضت لها بعض القوميات في الوطن العربي فهي لا تمثل حالة تطهير عرقي كما يدعي بعض المغرضين لأنها جاءت من أنظمة سياسية استبدادية كانت ضحاياها من العرب ومن غير العرب. بالمقابل فان بعض القوميات الأخرى قد استغلت مبدأ التسامح القومي عند العرب للتنمر عليهم، فسعت حتى وقتنا الحاضر للتمدد على حساب الأراضي العربية مثلما حصل من احتلال الفرس لمنطقة الأحواز والجزر الاماراتية الثلاث واحتلال تركيا لمنطقة الإسكندرونه والاحتلال الصهيوني لمعظم الأراضي الفلسطينية والاحتلال الاسباني لمدينتي سبتة ومليليه المغربيتين.
ونظرا لانتشار الفكر القومي العربي على نطاق واسع في عصرنا الحالي برزت أهمية الدور الذي يمكن لهذا الفكر أن يلعبه في تحقيق النهضة العربية الحديثة، حيث يعتبر عزيز السيد جاسم رسالة الفكر القومي العربي بأنها تنشد مواصلة النمو والتطور والحماية من الركود والتخلف والتراجع. ومقارنة مع النهضة الأوروبية فان النهضة العربية تختلف اجتماعياً عنها، ومن ثم لا يمكن أن تتخذ النهضة الأوروبية نموذجا تطبيقا لها لكن ذالك لا يمنع من اقتباس بعض المكتسبات من تلك التجربة الأوروبية. لذا تمتلك أهداف النهضة العربية سماتها الخاصة التي تتلخص في تحقيق الاستقلال الوطني والتخلّص من التبعية والسعي لإنجاز الوحدة، وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي وضمان نظام قضائي عادل وانشاء صناعة وزراعة وتكنولوجيا متطورة وتوفير أنظمة صحية وتعليمية متقدمة وخلق تكافؤ الفرص وبناء التنمية الاقتصادية الشاملة ورعاية الثقافة والأدب والفنون المنبثقة من التراث العربي. و توجد مبررات كثيرة لإنجاز هذا المشروع النهضوي في الوقت الحاضر لأن المجتمع العربي يمر بحالة من التخلف والضياع والتشتت والفساد وظهور الفوارق الطبقية والتوزيع الغير عادل للثروات وافتقار الخدمات وتغليب الصراعات الجانبية على الحوارات البناءة وتشجيع التدخلات الخارجية.

2

وللتأكيد على أهمية تحقيق الوحدة كحالة خصوصية يتميز بها مشروع النهضة العربية، يشير الكاتب الياس مرقص الى أن المشروع القومي الديمقراطي العربي الوحدوي هو مشروع نهضوي يهدف إلى تجاوز أسوار التأخر. والوحدة العربية لها قدرة على تعزيز مراحل النهوض والتقدم، بينما ترتبط التجزئة العربية تاريخياً بالانحطاط والتراجع وفسح المجال واسعا أمام الهيمنة الأجنبية.
وفي نفس السياق يوضح القائد المجاهد عزة ابراهيم المخاطر المترتبة على مشروع النهضة العربية الحديثة من مخططات إجهاض التجارب الوحدوية، فيذكر في خطابه بالذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس الحزب:
"لقد شهدت امتُنا العربية مسلسلا مترابطا ومستمرا لإجهاض نهضتنا الحديثة وتمثل ذلك في عدة خططُ نُفذت منها إجهاض وحدة سوريا ومصر عام (1961) والتي كانتْ الأمل الأكبر والأعظم للأمة العربية في ذلك الوقت نحو تحقيق أهدافها الكبرى في الوحدة والحرية والاشتراكية ".
جميع تلك المعطيات تؤكد أن تحقيق الوحدة العربية مطلب ضروري لقيام نهضة عربية حديثة، حتى وان أجهضت هذه التجربة بين مصر وسوريا أو تعثرت بين اليمن الشمالي والجنوبي. فالفشل لا يكمن في جدوى مفهوم الوحدة نفسه وانما في ظروف التجربة الوحدوية التي مورست في حينها، مما يتطلب التعمق في دراسة المعوقات التي حالت دون نجاح تلك التجارب الوحدوية من أجل تجنبها في المستقبل. كذالك يمكن الاستفادة من النجاح الذي حققته بعض التجارب الوحدوية في العالم مثل تجربة الوحدة بين الجزء الشرقي والغربي لألمانيا واندماج الجزء الشمالي والجنوبي لفيتنام. من ناحية ثانية فان ضمان نجاح الوحدة قد يتطلب اعادة النظر في مسار تحقيقها كمشروع أني الى استراتيجية بعيدة الأمد، على أن يسبقها عدة خطوات تدريجية تمهد لها.أهم هذه الخطوات التمهيدية تشمل تشجيع الحوار العربي البناء والتخلص من التبعية الأجنبية وتدخلاتها في الشؤون العربية واصلاح البنى التحتية وترسيخ النظام الديمقراطي. بالإضافة الى ذالك تطوير صيغ التكامل العربي من خلال تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك وانشاء مشروع السوق العربية المشتركة خاصة وأن المقومات التي تكفل نجاح هذا المشروع عند العرب اذا ما توفرت الارادة السياسية، أكبر بكثير من تلك المتوفرة لدى الأوروبيين.
ويعتبر الفساد في المجتمع سواء كان سياسيا أو اداريا أو ماديا من المعوقات الأساسية لقيام نهضة عربية حديثة، لذا فان اصلاح هذا الواقع الفاسد يجب أن يتم عن طريق عملية تغيير جذري شامل تأخذ مداها على امتداد الوطن العربي.
وهذا النوع من التغيير الشامل لتحقيق الاصلاح في المجتمع قد أكده القائد المجاهد عزة ابراهيم في خطابه بالذكرى الثالثة والسبعين لتأسيس الحزب، عندما ذكر:
"أن بعث الأمة الرسالي الحضاري الإنساني اليوم يناضل ويكافح ويجاهد ويقدم التضحيات السخية ليس من أجل استبدال نظام بنظام، وليس من أجل الترقيع والتلميع لأنظمة بالية أكل عليها الدهر وشرب، بل من أجل التغيير الشامل والعميق لواقع فاسد ومتخلف ومريض وأمراضه مزمنة وصولا إلى إقامة حياة سليمة ومتجددة وناهضة نحو التطور والتقدم والازدهار"

3

22/4/2020
Publicité
Publicité
Commentaires
Présentation
Ce site, animé par le Collectif Algérie-Machreq, est consacré à la mémoire historique de la Nation arabo-musulmane, à l'intellectualité, la spiritualité, la culture, l'expérience révolutionnaire des peuples arabes. La Palestine sera à l'honneur. 


Publicité
Newsletter
Visiteurs
Depuis la création 445 497
Publicité